أوضح باري مالون أن القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلع في أبريل 2023، واشتعلت الخرطوم تحت نيران الرصاص والمدفعية. ركض الناس في الشوارع بحثًا عن ملاذ، وتحوّلت العاصمة إلى متاهة من الخطر. إلا أن ما جذب الإعلام الغربي، كما يوضح الكاتب باري مالون، لم يكن الحرب نفسها، بل الأجانب ذوي البشرة البيضاء العالقين وسط الفوضى.

 

دوّت العناوين العالمية بأسئلة عن كيفية إنقاذهم، وتصدّرت قصصهم النشرات، وظهرت تحليلات متتابعة حول عمليات الإجلاء التي نفّذتها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. وعندما عاد هؤلاء الأجانب إلى بلادهم، واصل الإعلام تغطية "رحلات الهروب المثيرة", قبل أن يخفت الاهتمام تدريجيًا، وكأن ما بقي في السودان مجرد "أفارقة يقتتلون".

 

كارثة إنسانية تتضخم بعيدًا عن العدسات

 

يروي الكاتب، في مقال منشور على ميدل إيست آي، كيف واصل السودانيون وحدهم دفع الثمن. استمرّت الحرب لعامين ونصف، وتصاعدت أهوالها: عشرات الآلاف قُتلوا، واثنا عشر مليون شخص نزحوا، وأناس جاعوا حتى الموت بينما عجزت المنظمات الإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتزايدة. ورغم تحوّل السودان إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، غابت قصته عن الوعي العام في الغرب

 

عادت الأضواء فجأة عندما سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد حصار دام ثمانية عشر شهرًا، وبدأت مذابح واسعة النطاق. ظهرت صور تُظهر الدم على الأرض من الفضاء، وروى ناجون انتهاكات مروّعة شملت الاغتصاب والقتل، فيما أعلن عناصر من الدعم السريع بوضوح أنهم يمارسون التطهير العرقي. ومع تصاعد الانتقادات الموجهة للإمارات المسؤولة عن دعم القوات، اضطر الإعلام الغربي للعودة إلى السودان. ظهرت تقارير وتحليلات ومنشورات، لكن –كما يقول الكاتب– ظهرت متأخرة جدًا. وذلك رغم أن صحفيين سودانيين ونشطاء وعددًا من المراسلين كانوا يغطّون المأساة لحظة بلحظة منذ البداية

 

أفريقيا خارج الأولويات

 

يستعيد مالون خبرته كصحفي لوكالة رويترز ليوضح أن قصص أفريقيا، مهما كانت مؤثرة أو خطيرة، تقع غالبًا في آخر نشرة الأخبار. يحدث هذا رغم وجود مراسلين استثنائيين مثل هبة مورجان في الجزيرة الإنجليزية ويُسرا الباغر في سكاي نيوز وليندسي هيلسوم في تشانل 4 وغيرهم، ممن واصلوا التغطية بشجاعة. لكن “صحفيًا واحدًا أو اثنين لا يستطيعان خلق ضجيج”، كما يقول، خصوصًا عندما تُدفن قصص أفريقيا في أعماق مواقع الصحف الكبرى، أو تُمنح دقيقتين في نهاية النشرات التلفزيونية.

 

يحكي الكاتب تجربته في أوغندا عام 2011 حين اندلعت احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار، وقُتل متظاهرون في الشوارع، بينما لم يكن أصدقاؤه في الغرب يعرفون شيئًا عمّا يحدث. ويسترجع وصول المجاعة إلى الصومال في السنة نفسها، وكيف تجاهل العالم الأزمة تقريبًا. ويشير إلى أن وكالات الأنباء، رغم دورها الكبير، تحتاج الصحف والقنوات الكبرى كي يصل الخبر إلى الجمهور، بينما هذه الأخيرة لا تُظهر اهتمامًا يُذكر بالقصص الأفريقية.

 

العنصرية التي تكشفها اللحظات الحرجة

 

يربط الكاتب بين الانتقائية الإعلامية والعنصرية البنيوية التي ظهرت بوضوح خلال تغطية غزو روسيا لأوكرانيا، عندما وصف صحفيون غربيون الأوكرانيين بأنهم “حضاريون”، “مثلنا”، “يشاهدون نتفليكس”، بخلاف العراقيين أو الأفغان. يكشف هذا الخطاب، كما يوضح مالون، نظرةً تمنح قيمة إنسانية أعلى لحياة الغرباء الذين يشبهون الجمهور الغربي، وتُهمّش حياة غير البيض. ويشير إلى أن هذا التفكير يحدد، من حيث لا يصرّح أحد، ما يستحق التغطية وما يمكن تجاهله، وأنه ما زال يحكم الكثير من القرارات التحريرية اليوم.

 

يؤكد مالون أن على المؤسسات التي تدّعي إنتاج “أخبار دولية” أن تتعامل مع حياة غير البيض بنفس الجدية التي تتعامل بها مع حياة البيض. ويختم بأن المأساة في السودان لم يكن ينبغي أن تنتظر مذابح عرقية كي تتحول إلى “قصة كبرى”، لأن كل الأرواح تستحق الاهتمام، وكل حرب تستحق أن تُروى منذ اللحظة الأولى، لا عندما يصبح تجاهلها محرجًا.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/why-international-media-suddenly-cares-about-sudan